Tuesday, May 24, 2011

قيود المجتمع





إن من أكبر المشكلات التي يواجهها من يريدون تغيير المجتمع أو حتى محاولة االإبداع ليست الصعوبات المادية أو الجهود التي يبذلونها في التغيير
وإنما القيود النفسية التي يفرضها المجتمع عليهم

إنها قيود الأعراف والتقاليد وقيود الحسابات المادية والمصالح العاجلة التي ما أنزل الله بها من سلطان

وكلما زادت هذه القيود كلما كان المجتمع أكثر فسادا وظلما وطغيانا
فهذه القيود في حقيقتها هي إمتداد للظلم الواقع في المجتمع يتطوع بوضعها بعض من يوالون الظلم ويسيرون في تياره وبعض ممن يظلمون وتكون لهم مصالح شخصية في وجود هذه القيود التي تقيد لهم المجتمع وتجعله فريسة سهلة للظلم والطغيان بلا أدنى مقاومة

فقد وضعوا في داخل كل فرد من هذا المجتمع خط دفاع أول يحميهم من إنكاره ظلمهم أو حتى سؤاله لم يصنعون هذا

ونجد أن الإسلام أول مانزل كان هدفه هو تحرير المجتمع وأفراده من هذه القيود التي فرضها الظالمون

فنزلت ( إن في ذلك لآيات لأولي الألباب ) ونزلت في أكثر من موضع ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) البقرة

ونزلت ( يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وماأنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون )

وقوله تعالى ( إن أتبع إلا مايوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون )

وقوله تعالى ( والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون )

وقوله تعالى ( قل لو شاء الله ماتلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون )


وغيرها كثيير وكلها نداءت بالتفكر والتعقل والتذكر وإعمال العقل

وهم أحيانا يعضدون هذه الأعراف والظلم والتقاليد بالمنطق المغلوط الذي في ظاهره أنه عقلاني وأن هذه التقاليد ليست إلا إنعكاس للعقل والواقع وفي باطنها ترسيخ للظلم والفساد وإنكار للحق الأبلج الواضح لكل من تحرر عقله وتحررت نفسه

( وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لايعلمون )



وفي قصة إبراهيم عليه السلام خير مثال حين يسوق لنا القرآن محاجته مع قومه

قال تعالى ( واتل عليهم نبأ إبراهيم * إذ قال لأبيه وقومه ماتعبدون * قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين * قال هل يسمعونكم إذ تدعون * أو ينفعونكم أو يضرون * قالوا بل وجدنا ءاباءنا كذلك يفعلون )


وقوله تعالى ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه ءاباءنا أولو كان ءاباؤهم لايعقلون شيئا ولايهتدون )


من كل هذا نستنتج أن من أهم الأسلحة التي يتسلح بها هؤلاء الظالمون هو سلاح التقاليد والأعراف وإتباع أفكار وتعاملات لا لشيء إلا أن المجتمع قد تعارف عليها وأعتقد أن هذه الأفكار والمعتقدات هي الصح المطلق دون أن يعمل أفراده عقولهم في معرفة أسباب صحة هذه الأفكار أو بطلانها

ولذلك فإن عدم إعمال العقل وعدم التفكير بالعقل والمنطق هو مايساعد على إنتشار هذه التقاليد والأفكار ويساعد في ذلك إذا كان أفراد هذا المجتمع على درجة من الجهل أو من الإنهزام النفسي الذي يمنعهم من حتى محاولة التساؤل حول جدوى مايفعلونه أو جدوى مايعقتدونه

لقد كسر الإسلام تلك الحواجز والقيود ودعا إلى كسرها حتى يظل العقل متحررا حتى فيما لايختص بالعقيدة

فنجد الآيات تنزل في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم لمن كانت زوجة زيد بن ثابت وقد كان ابن النبي بالتبني قبل الإسلام
قال تعالى ( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لايكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا )

ففي كل مناسبة وفي كل موقف يحرص الإسلام على كسر تلك القيود التي تجعل العقل عاطلا عن التفكير وتجعل الإنسان مجرد تابع لايفكر ولا يتساءل

لقد صاغ لنا القرآن الكريم كيفية تفكير إبراهيم عليه السلام وكيفية إتباعه للمنطق وتخلصه من أسر القيود والتقاليد التي خضع لها مجتمعه وقومه
( فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال ياقوم إني بريء مما تشركون ) إلى آخر الأيات

وإن المجتمع الفتي القوي هو المجتمع الذي يكون متحررا من تلك القيود والأعراف
فتجد أن تلك الطريقة في التفكير وفي تحرير أفراد المجتمع هي التي تسببت في إزدهار الحضارة الإسلامية وفي إزدهار العلم في فجر الإسلام

ونجد أن أغلب المبدعين والمفكرين هم من تحرروا من تلك القيود على الرغم مما قد يصيبهم من أذى أو من نظرات تبدو غريبة

وقصة جاليليو وتفكيره ومعارضته للكنيسة معروفة

وكذلك تساؤل نيوتن المنطقي في سقوط التفاحة وتحرره من أسر العادة هو من ساهم في إبداعه

ثم نأتي إلى عصرنا ومجتمعاتنا الآن

فنجد أن المجتمع قد كبل وقيد بمجموعة من القيود والأعراف والعادات والتقاليد التي ما أنزل الله بها من سلطان

من خير مايمثل ذلك ( تقسيم الإرث في الأرياف واضطهاد النساء في هذا التقسيم )
ومايمارسه الموظفون في العمل من ممارسات وتصعيبات لا أساس لها إلا أنها عرف تعارفوا عليه وتقاليد ورثوها جيلا بعد جيل

ولذلك فإن من مؤشرات تقيد المجتمع وتحجره هو كثرة الروتين الذي يشتكي منه الجميع ويشهد عليه الجميع وماهو إلا صورة من صور التقاليد والعادات والتحجر التي ألفها المجتمع وتعود عليها بل وأدمنها واعتمد عليها فلا يستطيع العيش من دونها فقد عطل عقله عن العمل منذ زمن وصار صعبا عليه أن يعاود إعماله بل إنه يقاوم ويلفظ كل من يحاول إعمال عقله أو التساؤل حول جدوى وأسباب هذه العادات


ثم حين يحاول البعض التحرر من تلك القيود وكسرها فإنهم للأسف لايكسرونها إلا لكي يقيدوا أنفسهم بمجموعة أخرى من التقاليد والعادات الغربية التي تكون بديلا لهذه القيود
تحت أسماء مختلفة بداية من الموضة والإتيكيت ووصولا إلى أن الغرب قد سبقنا في كذا وكذا وإنتهاء بالسياسات المتبعة والعولمة وغيرها


تماما كما فعل أصحاب النبي حين قالوا ( اجعل لنا ذات أنواط ) وذكر صلى الله عليه وسلم أنها السنن وأنهم فعلوا كما فعل قوم موسى معه حين قالوا ( اجعل لنا إلها كما لهم ءالهة )




وإن مقاومة تلك القيود وكسرها والتحرر منها هي أصعب مايواجه الفرد الحر الذي يسعى لتحرير نفسه وتحرير مجتمعه
فليس الخوف وليست المعارك وليس الجهد الذي يبذله وإنما هي الحرب النفسية والقيود الداخلية التي يفرضها المجتمع في كل شبر يذهب إليه أفراده والتي يقيد بها أفراده بعضهم بعضا


إن الإسلام إنما يدعوا للتحرر من كل هذه التقاليد والعادات سواء في العقيدة أو حتى في الممارسات والمعاملات العادية

ولا تقيد إلا بما جاء به الإسلام وفقط


















No comments:

search

بحث مخصص